متحف المكتين: بين الفرشاة والعدسة

قبل اكتشاف التصوير الفوتوغرافي عام 1839م وانتشاره بشكل واسع في أوروبا، كان الرحالة والمستشرقون والرسامون يترجمون تصورهم عن شكل الحرمين الشريفين عبر لوحات يتم حفر تفاصيلها وتخطيطها على أسطح صلبة مثل النحاس والمعدن، ومن ثم طباعتها ونشرها. ومن المعروف أن عملية نشر الرسومات تسبقها مرحلة يقوم فيها الرسامون المحترفون بعمل بعض التعديلات واللمسات الفنية على اللوحات الأصلية لتظهر بالشكل الملائم للطباعة، مما يجعل اللوحات المطبوعة تختلف، وأحياناً إلى حد كبير عن الرسم الأصلي الذي أخذت منه. في المقابل، فإن الصور الفوتوغرافية تنقل تسجيلاً بصرياً واقعياً لما رآه المصور وقت التقاط الصور. ولذلك تُعتبر الصورة الفوتوغرافية شهادة توثيقية لحقبة زمنية محددة وأماكن وعادات تعرضت لتغييرات عديدة مع مرور الزمن، وبذلك تسهم في تكوين ذاكرة بصرية واقعية لمن يشاهدها.

لزيارة الجولة الأفتراضية

يستعرض متحف "المكتين" تاريخ المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، من خلال الرسومات التاريخية التي رسمها رسامون مسلمون وغير مسلمين خلال الخمس قرون الماضية، بالإضافة إلى تاريخ التصوير الفوتوغرافي لمكة والمدينة منذ أوائل الصور الملتقطة عام ۱۲۹۷ ھـ (١٨٨٠م) وحتى يومنا هذا. يرصد المتحف التطورات الهامة والتغيرات التي صاحبت رحلة التصوير الفوتوغرافي لمكة والمدينة، واللتان ظلتا بمعزل عن عدسات المصورين لفترة من الزمن لعدة أسباب أهمها عدم السماح لغير المسلمين بدخول المدينتين المقدستين فضلاً عن استخدام الكاميرا لالتقاط الصور الفوتوغرافية، إضافة إلى انعدام الأمن في العديد من مناطق الجزيرة العربية في الماضي، وصعوبة الظروف المناخية والجغرافية، ونفور بعض الأهالي المحليين من الغرباء. ومع ذلك، فقد استقطبت المنطقة العديد من المصورين المسلمين وغير المسلمين من الرحالة والمستشرقين الأوروبيين الذين جابوا البلاد وصولاً إلى مكة والمدينة؛ بعضهم من أجل اكتشاف جغرافيتها، والآخر لأداء فريضة الحج بعد أن أعلن إسلامه، وغيرهم من تظاهر باعتناقه الإسلام حتى يتمكن من دخول البقاع المقدسة .









يتكون متحف المكتين من ثلاث قاعات رئيسية هي قاعة "ما قبل اختراع الكاميرا (١٥٥٠-١٨٨٠م)"، قاعة المصورون الأوائل لمكة والمدينة (١٨٨٠-١٩٢٠م)، وقاعة العصر الذهبي للتصوير الفوتوغرافي (١٩٢٠-الوقت الحاضر) .  تعرض القاعة الأولى أعمالًا تعكس تصوّر الرحالة والمؤرخين والرسامين في أوروبا والدول الإسلامية لشكل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة، وذلك سواءً من خلال مشاهداتهم الشخصية أو نقلًا عن شروحات الحجاج العائدين من الحج لبلدانهم. وتضم القاعة أعمالًا أنتجت بأساليب متنوعة مثل الرسم بالذهب والألوان على الورق أو الزجاج، أو الحفر على النحاس أو المعدن ثم الطباعة على الورق. ورسومات الحرمين الشريفين باستخدام هذه التقنيات تغطي الفترة بين منتصف القرن السادس عشر للميلاد/القرن الحادي عشر للهجرة وحتى أواخر القرن التاسع عشر للميلاد/الثالث عشر للهجرة، عندما وصلت تقنية التصوير الفوتوغرافي لمكة والمدينة. كما تضم القاعة عددًا من الكتب النادرة التي ألفها المستشرقون والمؤرخون والمستكشفون الأوروبيون عن مكة المكرمة والمدينة والمنورة. وتكمن أهمية هذه القاعة في توضيح أهمية اكتشاف التصوير الفوتوغرافي في نقل صورة واقعية للحرمين الشريفين بعد أن كانت الرسومات المنشورة متضمنة على العديد من الأخطاء.









تعرض القاعة الثانية الصور الفوتوغرافية التي التقطها أوائل المصورين الفوتوغرافيين لمكة والمدينة وعلى رأسهم اللواء محمد صادق بك (عام 1297هـ/1880م)، والذي التقط صوره بالتزامن مع تواجد البعثة العسكرية العثمانية، والتي التقطت هي الأخرى صوراً نادرة لمكة المكرمة في العام نفسه. كما تعرض القاعة الصور التي التقطها المصور المكي الطبيب عبد الغفار بغدادي والمستشرق الهولندي كريستيان سنوك هرخرونيه، والمصور المكي محمود عرب قرلي، والمصور الهندي الحاج أحمد مرزا، الذي امتهن التقاط الصور الاحترافية وبيعها على الحجاج والمعتمرين في ذلك الحين. وتضم القاعة صحفًا نشرت في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، تحمل في صفحاتها صورًا فوتوغرافية للحج والحرمين الشريفين التقطت في تلك الحقبة.           

القاعة الثالثة تم تخصيصها لعرض صور الحرمين والبقاع المقدسة التي التقطها مصورون كان لهم نشاطًا ملحوظًا مع بداية دخول الملك عبد العزيز -رحمه الله- مكة المكرمة (1343هـ/1924م)، مثل المصور شفيق بن محمود عرب قرلي، والمصور صبري عبد الله بشناق وأخوه جميل وابنيه أحمد وجميل صبري بشناق وغيرهم. وتعرض القاعة ألبوم أحد المصورين الذين لمع بيرقهم في العقد الرابع من القرن العشرين المصور المصري المهندس محمد حلمي، والذي التقط صورًا هامة للمسجد النبوي والحرم المكي عام 1947م (1366هـ) في مهمة رسمية بطلب من الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وتكليف من الملك فاروق ملك مصر في ذلك الوقت. كما تعرض القاعة صوراً للحرمين والبقاع المقدسة ومشاعر الحج التقطها رواد التصوير الفوتوغرافي خلال النصف الثاني من القرن العشرين للميلاد، والتي تؤرخ لبداية ظهور الصور الملونة للحرمين الشريفين. وتعرف القاعة الزوار بتاريخ التصوير الفوتوغرافي عبر عرض عدد من كاميرات التصوير الفوتوغرافية، وصورًا أنتجت بتقنيات مختلفة مثل شرائح "الفانوس السحري" الزجاجية، وهي شرائح زجاجية تحوي مناظر تتم طباعتها بطرق متخصصة وعرضها باستخدام آلة تسمى "الفانوس السحري"، وصور الستيريوجراف المؤلفة من إطارين متجاورين، يستخدم لمشاهدتها أداة متخصصة "الستيريوسكوب" لتظهرها على شكل ثلاثي الأبعاد. وقد نشط إنتاج هذا النوع من الصور في نهايات القرن التاسع عشر للميلاد ومطلع القرن العشرين.